مقالات وابحاث

لا يتم التغلب على عسر القراءة بتعليم القراءة

بارتياح حذر نتقبل الانشغال بموضوع "العسر التعلمي" على المستوى الجماهيري العام في الوسط العربي, وعلى جميع أصعدته المرتبطة بشكل او بآخر بهذا الموضوع.

في الوقت نفسه, ما زال هناك الكثير لانجازه على المستوى المهني للتجاوب مع الموضوع بشكل جدي ومسئول. هناك حاجة الى وجود كوادر مهنية مختصة وأدوات تشخيص مبنية على رؤيا علمي واسعة بالاضافة الى مراكز واطر لدعم ومساعدة ما بين 10-15% من طلابنا في التعليم العادي

 بارتياح حذر نتقبل الانشغال بموضوع "العسر التعلمي" على المستوى الجماهيري العام في الوسط العربي, وعلى جميع أصعدته المرتبطة بشكل او بآخر بهذا الموضوع.

في الوقت نفسه, ما زال هناك الكثير لانجازه على المستوى المهني للتجاوب مع الموضوع بشكل جدي ومسئول. هناك حاجة الى وجود كوادر مهنية مختصة وأدوات تشخيص مبنية على رؤيا علمي واسعة بالاضافة الى مراكز واطر لدعم ومساعدة ما بين 10-15% من طلابنا في التعليم العادي.

من خلال ردود الفعل من اللقاءات التي اشتركت بها مع مهنيين وأخصائيين تربويين عرب خلال هذه الفترة, رأيت من واجبي الاستمرار بتوضيح ما استطيع في ظاهرة العسر التعلمي ليس على اعتماد ما يتم نشره واستغلاله في جهاز التعليم الإسرائيلي وإنما من خلال رؤيا مبنية على تجربتي النويروسايكولوجية (نفسية-عصبية) وخبرتي وعملي المباشر كأخصائي نفسي مع هذه المجموعة من الطلاب.

الحديث يجري بشكل واضح عن أساس نفسي-عصبي (نيروسايكولوجي) وعضوي لظاهرة العسر التعلمي. في حين ان العوامل البيئية الاجتماعية والنفسية هي ثانوية, لها تأثير في ازدياد حدة الظاهرة ولها دور كبير أيضا في التغلب عليها, حيث أشارت أبحاث عديدة إلى أن دعم الأهل النفسي وخلقهم ظروف اجتماعية بناءة متفهمة ودافئة تساعد على التطور النفسي السليم قد تكفي وحدها في حالات معينة في التغلب على الخلل العضوي الأولي عند الطفل في مرحلة ما قبل ظهوره في النشاط التعليمي المدرسي.

حين يجري الحديث عن خلفية عضوية أساسية ودور كبير للعوامل الاجتماعية فانه يخطئ من يحاول التعامل مع الظاهرة الناتجة دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة ودون العودة الى هذا الأساس والى تشخيص نويروسايكولوجي يعطي بشكل واضح تحليلا مهنيا كيفيا شاملا لأساس العسر القائم مع الإشارة إلى طرق التغلب عليه وعلاجه.

غير مقبولة علي مهنيا, الحقيقة الحالية المؤلمة وهي انه يجري اعتماد أساليب تعليم مختلفة (خاصة, مصححة, داعمة ومدمجة...) لعلاج الطلاب ذوي العسر التعلمي, حيث يجري مساعدة الطالب عسير القراءة بتعليمه القراءة مرة تلو الأخرى, وعسير الكتابة بتعليمه إياها...بنفس الأسلوب الذي يتم فيه تعليم الطلاب العاديين المبتدئين او تعليم الأميين! كيف يمكن اعتماد أساليب علاج ومساعدة هي بحد ذاتها نقطة ضعف الطالب, وهي اقرب إلى أن تكون عاملا محبطا ومهددا الثقة بالنفس, لا عاملا مساعدا وداعما؟! كيف يمكن استعمال وسائل علاج هي بحد ذاتها الهدف ؟! هذه الصورة المتناقضة وغير المنطقية باعتقادي هي احد الأسباب الرئيسية الكامنة في وجود عدد كبير من الطلاب, ولو من خلال تجربتي المهنية الشخصية, مدمجين في اطر تعليم خاصة او "داعمة تعليميا" لسنوات دون تحسن يذكر في ادائهم التعليمي فهم ما زالوا يتعلمون القراءة وأسس الكتابة, وفي الوقت نفسه ما زالوا يعانون من سبب توجيههم الأساسي إلى هذه الأطر "صعوبة في القراءة.."!!

العالم النفسي الكسندر لوريا وصل, ومنذ الستينات من القرن الماضي, الى نتيجة ان:
1. عملية الكتابة كأي عملية ذهنية أخرى (قراءة, حل مسائل حسابية, ذاكرة, إدراك, وغيرها), هي عملية ذهنية ذات أساس عصبي دماغي واسع ومركب من عدة حلقات او عوامل...

2. هذه الحلقات متمركزة في مناطق مختلفة من الدماغ (وليس في النصف اليساري منه فقط) وتعمل كلها كوحدة واحدة متكاملة وديناميكيه لتنفيذ العملية الذهنية (الكتابة في هذه الحالة) بشكل سليم.

3. لكل حلقة دور خاص ومميز المساهم في هذه العملية, بحيث ان أي خلل يصيب أي حلقة من هذه الحلقات يؤدي إلى عسر الكتابة.

4. هناك علاقات نويرو- سيكولوجية وتطورية مترابطة وقوية ومركّبة بين القدرات والعمليات الذهنية جميعها، وهو ما نراه من خلال اشتراك حلقات معيّنة في تنفيذ أكثر من عملية ذهنية واحدة.
 

قد يكون لعسر الكتابة عند شخص معيّن عدّة أسباب وضعف في أكثر من حلقة واحدة. وقد يكون لعسر الكتابة الظاهر - كذلك - سبب وعامل مختلفان في كلّ مرّة. ومن هذا المنطلَق، لا يُمكن التعامل مع طالبيْن اثنيْن يُعانِيانِ عسر الكتابة بالأسلوب نفسه وطرائق العلاج نفسها. وإضافة إلى ذلك، إنّه قلّما يكون هناك وحدَه عسر كتابة أو عسر قراءة أو عسر حساب. وبما أنّ الحديث يجري، أيضًا، عن علاقات مترابطة بين القدرات الذهنية، فإنّ العامل الذي أدّى إلى عسر الكتابة، مثلاً، يجد له انعكاسًا وتعبيرًا قد يكون أقلّ حدّةً، أحيانًا، في العمليات الذهنية الأخرى المشتركة في تنفيذه. وفي الوقت نفسه، ومن المنطلق عينه، لا يُمكن الحديث عن انهيار أو ضعف عامّ في عملية ذهنية معيّنة بالكامل؛ لا يُمكن الحديث، مثلاً، عن "ذاكرة ضعيفة" أو "استيعاب ضعيف"، أو "عدم قدرة على الكتابة أو القراءة". صحيح أنّه قد يكون هناك خلل في حلقة أو أكثر من مركّبات هذه العملية، لكن لا تزال هناك حلقات أخرى سليمة وغير ظاهرة للعِيان، تكون بمثابة الأساس الذي تُبنى عليه برامج العلاج.


ولمزيد من التوضيح، سأتوقّف عند عملية الكتابة وعند الحلقات الأساسية المكوّنة لها:


1. العامل الإدراكيّ البصريّ: يؤدّي وظيفة استيعاب الشكل البصريّ للحرف؛ حيث تظهر هذه الوظيفة في تحليل مركّبات الحرف وفي التفريق بين أشكال مختلفة لأحرف مختلفة. والخلل في أداء هذا العامل يؤدّي إلى صعوبة في التمييز بين الأشكال المتشابهة وبين الأحرف المتشابهة؛ مثل: ز،د،ذ؛ ض،ص؛ ق،ف؛ أو بين كلمات متشابهة؛ مثل: فرح، مرح، جرح؛ وهكذا؛ أو ما يقابلها في لغات أخرى.


2. العامل الفراغيّ الاتّجاهيّ: يؤدّي وظيفة استيعاب شكل الحرف في الفراغ واتّجاهات أجزائه المختلفة؛ وهو أمر مهمّ للتفريق بين الأحرف ذات الأشكال المتشابهة والاتّجاهات المختلفة؛ مثل: ج،ح؛ ب،ن؛ ي،ت؛ في بداية الكلمة وفي وسطها، وغيرها. وفي حال لم يقُم هذا العامل بوظيفته الخاصّة هذه كما يجب، نرى في الأداء التعليميّ - الكتابيّ وكذلك الحسابيّ ظاهرة قلب لأحرف معيّنة ("ب"، بدلاً من "ن"، مثلاً)؛ أو أن يتمّ قلب الحرف أو كتابته بشكل عكسيّ تمامًا؛ من اليسار إلى اليمين، أو من أسفل إلى أعلى. هذا وإنّه في حالات خاصّة ونادرة تكون الكتابة كلّها معكوسة، حيث لا تُمكن قراءتها إلاّ من خلال مرآة.
ومن الجدير بالذكر أنّ هذه القدرة تتطوّر في سنّ متأخّرة نوعًا ما، قِياسًا إلى بقية القدرات أو العوامل الأخرى المذكورة؛ فمثلاً، كثيرًا ما نرى أطفالاً في سنّ الروضة أو البستان، أو حتى الصف الأول، يعكسون رسومات أو أحرفًا معيّنة، أو يبدأون بكتابة حرف أو رسم شكل بصورة مقلوبة. وهذه الأعراض كلّها - في حال وجودها وحدَها وندرة تَكرارها - يجب ألاّ تقلق الأهل، كما قد ترافق عملية التطور الفرديّ لدى الطفل.


3. العامل الحسّيّ - الحركيّ (1): مسؤول عن تنفيذ عملية الكتابة؛ حيث يتمركز دوره في إيجاد شكل الحركات ومبناها التي تكوّن الحرف؛ أي تحديد الحركات التي يجب أن تقوم بها اليد حتى ينتج عنها حرف معيّن. واضح - على سبيل المثال - أنّه لكتابة حرف الـ"أ" تقوم اليد بحركة من أعلى إلى أسفل، ولكتابة حرف الـ"ب" تقوم اليد بحركات تختلف، نهائيًّا.


4. العامل الحركيّ: مسؤول، أيضًا، عن تنفيذ عملية الكتابة، وإنّ دوره مهمّ في خفّة الحركة وفي الانتقال من وضعيّة وشكل معيّنيْن للجهاز الحركيّ الإراديّ الدقيق (حركات اليد) إلى وضعيّة وشكل آخرين ملائمين لكتابة حرف آخر؛ وهذا هو الأداء الذي أسماه لوريا "اللَّحْن الحركيّ". وبكلمات أخرى، يجب أن يقوم الدماغ بإصدار تعليمات معيّنة لليد حتى تنتقل من كتابة الـ"أ" إلى كتابة الـ"ب". وفي حال أنّ الدماغ لم يُصدِر هذه التعليمات بصورة صحيحة، ولم ينفّذ هذا العامل وظيفته المحدّدة، يُلاحَظ في الأداء التعليميّ (والسلوكيّ، أيضًا) ظاهرة "التَّكرارية" أو صعوبة التوقف عند شكل كتابيّ ما، حيث تتمّ إعادة كتابته عدّة مرّات في حين لا يتطلّب الأمر ذلك. وكثيرًا ما تظهر هذه التَّكرارية بكتابة أحرف معيّنة متشابهة في المبنى الحركيّ؛ مثل: ن،ب،ي،س،ش؛ أو ما يقابلها في لغات أخرى، في وسط الكلمة أو بدايتها. (يُنظر: "الاتّحاد" 5/1/2000).


5. عامل التخطيط الإراديّ: مهمّ لوضع أهداف وخطط لتركيب مجموعة أحرف في كلمة أو مجموعة كلمات في جملة؛ مع مراقبة تنفيذ هذه العملية والحفاظ على المغزى العامّ المكتوب. وفي حال أنّ هذا العامل لم يقُم بدوره - كما هو متوقَّع، وحسَب السنّ - نرى كلمات مكتوبة بشكل منقوص؛ أحرفًا معيّنة أو جملاً غير كاملة. كما أنّنا قد نرى، أيضًا، كتابة تتميّز بالقفز عن كلمات معيّنة، وخصوصًا أدوات الربط فيها، ما قد يؤدّي إلى كتابة "تلغرافية" من الصعب فهمها.


6. العامل الحسّيّ - الحركيّ (2): مسؤول عن الملاءمة ما بين اللفظ/النغمة والحرف؛ كما أنّه مسؤول عن التفريق بين النغمات المتشابهة في مبناها اللّفظيّ - الحركيّ؛ مثل: د،ت،ط؛ ق،ك؛ م،ب؛ وغيرها أو ما يقابلها في لغات أخرى. وكذلك التفريق بين مركّبات الكلمات ذات النغمات المتناقضة؛ مثل: "اضطراب"، "يستطيع"، وغيرها؛ أي أنّ الخلل الذي يُصيب هذه الحلقة يؤدّي إلى عسر في الوظيفة التي يؤدّيها والتي تتمركز، أساسًا، في الكتابة الإرادية. نرى، مثلاً، كلمة "طائرة"، بدلاً من "دائرة؛ "يسططيع"، بدلاً من "يستطيع"؛ وهكذا.


7. العامل النغماتيّ/الموسيقيّ الحسّيّ: مسؤول عن استيعاب نغمات الكلام المختلفة وعن التفريق ما بين النغمات المتشابهة المسموعة؛ مثل: س،ز؛ ش،ج؛ وغيرها. وهذا العامل مهمّ جدًّا في "الإملاء"؛ على سبيل المثال، حين يُطلب من الطالب أن يكتب ما يسمعه. وإذا لم يقُم هذا العامل بوظيفته فإنّ عملية تحليل النغمات المتشابهة تتمّ بصورة مخطوءة، ولا يستطيع الطالب - في حالات معيّنة - التفريق بين "س" و"ز"؛ بين "ش" و"ج"؛ بين "ت" و"ط"؛ وغيرها. ومن الطبيعيّ أن نلاحظ - في هذه الحالة - عسرًا كتابيًّا وأخطاء إملائية عديدة.


8. العامل التذكّريّ السمعيّ: مسؤول عن الحفاظ على المادّة المسموعة عند الكتابة؛ "لترجمتها" من لغة مسموعة ولغة أصوات إلى لغة بصرية مكتوبة. وإنّ أيّ خلل في هذه الحلقة قد يؤدّي إلى عدم كتابة المطلوب كاملاً، أو بتبديل كلمات بكلمات أخرى تحمل المعنى نفسه أو ذات لفظ نغماتيّ مشابه؛ وهو ما يُعرَف في علم النفس العصبيّ بظاهرة الـ"پارافازيا". وفي حالات أخرى قد يُكمل الطالب الجملة المطلوبة كتابتها بكلمات لم تُذكر ألبتّة، لكنّها ذات رابط لغويّ منطقيّ وسليم؛ مثلاً، حين عرّفت للكتابة الإملائية جملة: "زرع الفلاح الشعير والقمح وحصدهما"، إلى طالب وقت الفحص، كتبها كما يلي: "زرع الفلاح (توقف، لحظة، ويبدو أنّه لم يتذكّر الباقي)... الحقول والسهول والنباتات...". وكثيرًا ما نلاحظ عند هؤلاء الطلاب بطئًا في الكتابة أو إهمال كتابة كلمات معيّنة عند الإملاء، أو خلال الكتابة الحرّة.


9. العامل النويرو- ديناميكيّ: مسؤول عن ثبات عملية الكتابة، عن المحافظة على وتيرتها وعلى شكل وحجم معيّنين للحرف؛ عن المحافظة على الكتابة على السطر من البداية إلى النهاية، وعلى بعد كافٍ وثابت بين الكلمات. وإنّ الضعف في أداء هذا العامل يؤدّي إلى الكتابة بخطّ رديء وغير مقروء، إلى عدم التزام السطر، وعدم المحافظة على بُعد محدَّد ومقبول بين الأحرف والكلمات وغيرها.

لقد توقفت هنا عند العوامل والحلقات الأساسية لعملية الكتابة بشكل خاصّ. هذا وإنّه من المُمكن إضافة عوامل أخرى مهمّة؛ مثل الذاكرة البصرية والتركيز. وهذه العوامل تكوّن عملية الكتابة منذ البداية ومن الصعب ملاحظتها؛ فهي "تتقلّص" مع الوقت في عملية التطور وتُذوَّت وتُصبح أوتوماتيكية ضمن البرنامَج الداخليّ لنشاط الإنسان. هذا وإنّ تحليلها وتقييم أداء كلّ عامل يتمّان، فقط، عن طريق إجراء تشخيص نويرو- سيكولوجيّ شامل، يُقدّم صورة تحليلية لكيفية الأداء، للعسر وأسبابه، ولإمكانيّات علاجه وأساليبه؛ وعدم الاكتفاء بتشخيص عَرَضيّ وصفي؛ من قبيل: "هذا طالب ديسلكتي" وذاك "عسير تعلّم"!
إنّ احتواء عملية الكتابة على حلقات مميّزة ومتعدّدة - كما رأينا - يتطلّب توجّهًا مهْنيًّا علاجيًّا شاملاً؛ لا يتوقف عند التعليم المصحِّح في أحسن الأحوال - كما هو اليوم - بل يحتاج إلى اختصاصات قد لا تمتّ إلى الموضوع - أوّل وهلة - بصِلة؛ مثل العلاج بالنطق، والعلاج الوظيفيّ؛ بالإضافة إلى علم النفس التربويّ وعلم النفس العصبيّ؛ وقد تكون هناك حاجة إلى علاج دوائيّ أو حاجة إلى اللجوء إلى اختصاصات أخرى، كما أسلفنا.

ولنأخذ - على سبيل المثال - طالبًا في الصفّ الثاني تمّ توجيهه للفحص لسبب ما يواجهه من صعوبة في الكتاب، علمًا أنّ هذا الطالب نما وتطور بشكل سليم، لا بل إنّ الوالدين المدركين لظاهرة العصر التعلّميّ، أشارا إلى أنّه كان من المتفوّقين في سنّ الحضانة والبستان؛ فقد كان يتمتّع بقدرة ممتازة ومميّزة على التعبير اللّغويّ الشفهيّ، كما كان يتمتّع بثروة لغوية كبيرة، متفوّقًا بذلك على أبناء سنّه، ورسوماته كانت جيّدة. إلاّ أنّه في الصفّ الأوّل ثمّ الثاني ظهرت لديه أعراض العسر التعلّميّ؛ فقد كانت كتابته بطيئة، كان يُهمِل أحرفًا أو كلمات بكاملها عند الكتابة، ما كان يُكمِل كتابة الجملة، وكان يُخطئ رغم درايته الكاملة بقواعد اللّغة وأُسُس الكتابة في مستوى سنّه.
هذا الطالب كان ملزَمًا الجلوسَ ساعاتٍ في البيت يتدرّب على النسخ والإملاء، بمساعدة معلّم للتعليم الخاصّ (على نفقة الأهل)؛ فالوالدان كانا مدركيْن للإسقاطات النفسية السلوكية المتميّزة برفض الجلوس للكتابة، بالعِناد، وبمشاكل الطاعة، التي انسحبت كلّها على مجالات ونشاطات أخرى؛ فلم تقتصر على الشأن الدراسيّ، فحسْب. وهو ما كان يؤدّي إلى نشوب صراعات بين الطالب ووالديه، ما بات يُفسِد العلاقة بينهم، وقد كانت، بالأمس، فقط، علاقة إيجابية، سليمة، وبنّاءة.

ما هو السبب من وراء هذه الصعوبات في اعتقادكم؟


ظهر - بعد التشخيص - أنّ الطالب يتمتّع بقدرات عقلية عامّة ممتازة، يتفوّق بها على أبناء سنّه، ولكنّ ضعفًا بسيطًا في عامل "التذكّر السمعيّ اللّغويّ" - لم يُكتشَف، سابقًا - كان السبب الذي أدّى إلى هذا العسر الكتابيّ (راجع البند رقْم 8 أعلاه).
وإنّ عدم اكتشاف السبب الأساسيّ الكامن وراء هذه الإشكالات الكتابية، وبالتالي التعامل معها بشكل عَرَضيّ، لم يؤدّيا إلى عدم إحراز تقدّم، ألبتّة، في عملية الكتابة، فحسْب، وإنّما أدّيا، أيضًا، إلى إشكالات نفسية وصراعات في العلاقات داخل الأسرة.
وبناء على هذا التحليل، كانت التوصية للأهل بوقف جميع الساعات التعليمية الإضافية الضاغطة على الطالب في البيت، والتوجّه، فقط، إلى ممارسة تمارين تقوية "التذكّر السمعيّ اللّغويّ"، إضافة إلى ضرورة العمل على إعادة الثقة المتبادَلة بين الطالب ووالديْه.

بقلم: د. علي بدارنه (جريدة الاتحاد 2000)

 

يَسرُنا ان تملأ بياناتك: الإسم - البريد الإكتروني، لكي يصلك كل الجديد حول "مركز الرازي لتأهيل الاطفال"